مفهوم الزمن.. الفيزياء وسؤال أصل الأشياء

Select Language

مفهوم الزمن.. الفيزياء وسؤال أصل الأشياء

مجلة رواد الأعمال منذ 8 أشهر

منذ بدء الخليقة ارتبطت أذهان الناس بالزمن، واستخدامه لترتيب الأعمال وتنظيم الزراعة وغيرها من الأمور الحياتية التي تتطلب معرفة الوقت. إلا أن البشر تعاملوا مع الزمن كمفهوم مجرد دون التساؤل كيف بدأ أو يبدو في أرجاء الكون الفسيح؟

مفهوم الزمن منذ البدايات

إن مفهوم الزمن قد اعتراه الكثير من التغيير على مر العصور. وفيما يلي نستعرض رحلة الزمن منذ بداية الخلق إلى عصر  الساعات الذرية، التي تستطيع قياس الزمن بدقة تصل إلى جزء من ألف مليون مليار جزء من الثانية، أي دقة تصل إلى 10- 15 من الثانية.

لطالما تساءل العلماء وحتى الكثير من الناس عن بداية الكون وكيف بدأ الخلق. ويمكن للفيزياء بما يتوافر الآن من معلومات أن تجيب على هذا السؤال بشيء من اليقين. لقد بدأ الخلق والزمن معًا في نفس لحظة “الانفجار العظيم”.

كذلك تتلخص نظرية الانفجار العظيم، بأن الكون وجد فجأة من العدم بانفجار عظيم مُطلقًا المادة والحرارة في جنبات الكون.

وفي هذا الانفجار ولدت المواد الأولية لتكون الذرات والغبار الذري ومن ثم الكواكب والنجوم والمجرات. وعند تلك اللحظة أيضًا بدأ الزمن.

ويؤيد تلك النظرية الكثير من البحوث والمشاهدات في الكون؛ حيث اكتشف عالم الفلك الشهير “Edwin Hubble” أن المجرات البعيدة تتحرك بعيدًا عنا، وسرعة ابتعادها تتناسب مع مسافتها.

كذلك يجادل الكثير من العلماء حول ماهية ما كان موجودًا داخل حيز الكون قبل الانفجار العظيم. فزعم فريق أنه كان هناك كون آخر فنى وانكمش مكونًا نقطة قد ركز بها المادة والطاقة في حيز صغير؛ ما أدى إلى انفجارها.

كما يجزم آخرون بأن الكون كان عدمًا ثم خرج إلى النور. ولا يمتلك أي الفريقين دليلًا أو طريقة علمية لإثبات ادعائه لأن قوانين الفيزياء نفسها قد نشأت أيضًا في نفس لحظة الانفجار العظيم.

وما يمكن الجزم به حقًا هو أن الكون قد أتى من العدم، ونظرية الكون السابق المحتضر تلك ما هي إلا تأجيل لأصل المشكلة، والسؤال الجوهري: كيف بدأ كل هذا؟ ومن أين أتى الكون القديم بالتبعية؟

مفهوم الزمن

تطور الوقت واستخدامه البشري

كذلك عبر البشر دومًا عن الوقت باستخدام الحركة سواءً كانت حركة نجمنا الساطع “الشمس” أو القمر. وحتى النجوم والكواكب في صفحة ماء الليل الباهرة والمزينة بنجوم وكواكب ذراع مجرتنا”درب التبانة”.

فكان من المستساغ عند كل البشرية تقريبًا التوقيت بالشمس مثل الاتفاق على لقاء أو موعد عند الغسق أو الغروب. وحتى أسماء وجبات رئيسة في العربية مشتقة من حركة الشمس والمسميات المرتبطة بها كالعشاء مثلًا.

وكلما تقدمت البشرية تقدم معها احتياجها إلى إتاحة وإتقان قياس دقيق للوقت. ففي العصور الأولى للزراعة كان الناس يؤقتون بمواسم المطر والفيضان والحصاد. كما كان هو الحال في الحضارات القديمة مثل: مصر القديمة والعراق والصين.

ومع تطور الحضارة والعمران البشري اتخذت آلات لقياس الوقت أكثر دقة؛ حيث يكون معامل الدقة هو اليوم والليلة. كما اتخذ البشر أدوات تمكن من قياس الوقت نهارًا كالمزولة، والساعة الشمسية، أوليلًا كالساعة الرملية.

كذلك اتخذت الحضارات المختلفة ساعات تنتمي إلى تلك الحضارات مثل: ساعة البخور الصينية أو الساعات المائية وغيرها.

ومع استقرار العلماء المسلمين في الأندلس والعراق، عرفت الساعات الميكانيكية المتطورة. والتي يقطع عقربها مسافات متساوية في أزمان متساوية؛ ما يمكن من استخدامها في معرفة التوقيت بدقة جيدة جدًا لأعمال اليوم.

كما كان المحرك الرئيس لهذه الساعات هو الجاذبية عادة. بالإضافة لضبط الوقت عن طريق بندول مهتز، يقوم بالتأرجح في أوقات تساوية لتعمل المنظومة كاملة كما ينبغي.

وفي حقبة الستينيات والسبعينيات ظهرت الساعات الرقمية والتي تعتمد الأرقام الظاهرة على شاشة لإظهار الوقت.

كما اعتمدت تلك الساعات عادة على مهتزات الكوارتز. والكوارتز هو نوع من الصخور المكون من أكسيد السيليكون، ويمتاز الكوارتز بأنه يهتز إذا ما قطع بطريقة معينة ووصل بقطبين من الكهرباء.

وتستخدم تلك الاهتزازات في صنع ما يشبه الشوكة الرنانة الشهيرة، التي تتذبذب بتردد ثابت ومن ثم يمكن اعتمادها كأداة لقياس الوقت.

الساعات الذرية ودقة خرافية للزمن

في العصور الحديثة. ومع اكتشاف الفضاء. ظهرت الكثير من المشكلات المتعلقة بدقة قياس الزمن. ومنها الاتصالات وإشارات التموضع العالمي GPS. والتي تستخدم الضوء. أو الموجات الكهرومغناطيسية فيما بينها.

ولأن سرعة الضوء عالية جدًا. وتقدر تقريبًا بـ 300 ألف كيلو متر في الثانية الواحدة، 3 x 108 (متر / ثانية). أي أن الضوء يمكن تخيله بهذه السرعة الجبارة. بأن الضوء يمكنه قطع مسافة 300 متر كل جزء من مليون جزء من الثانية.

كما يمكن تبسيط هذا بأنه إذا كانت هناك ساعة تمتلك عقربًا يمكنه تقسيم دائرة الساعة إلى مليون جزء. ويمكننا مراقبة ذلك بطريقة ما. فإن هذه الساعة ستخطئ في تحديد موقع الـ GPS بمقدار 300 متر على الأقل كل مرة تستخدم بها تلك الساعة.

كذلك يمكن تقبل ذلك. إذا كنت تتجه إلى حي معين مثلًا في مدينة كبيرة. ولكن مع تطور احتياجات البشر في الملاحة الجوية. وتوصيل الخدمات للمنازل وغيرها أصبحت تلك الدقة كارثية.

ناهيك عن تطبيقات الفضاء؛ حيث يتم ضبط الأدوات على برمجيات تحسب ارتفاع المركبات ومداراتها وسرعتها بدقة متناهية.

ولا يمكنها اعتماد تلك الدقة، ولن تنجح أي مهمة مؤتمتة في الفضاء ولا معرفة مكان المركبة بدقة باستخدام هذه الساعات.

موجات الضوء كعقرب للثواني

كما تستخدم الساعة الذرية، عنصر السيزيوم 133، في طريقة حساب الزمن. ويشع عنصر السيزيوم، عند تعرضه للإثارة بواسطة أشعة الميكروويف. موجات بتردد 9192631770 ذبذبة في الثانية.

إن هذا التردد الثابث يمكن استخدامه كمهتز لتلك الساعات؛ ما يمنحها دقة فائقة.

وفي تطوير جديد استخدم تداخل موجات الليزر في انتاج ساعات ذرية يمكنها من قياس الزمن بدقة تصل آلة الآتوثانية، وهي وحدة قياس زمنية تعادل 10-18 من الثانية.

مفهوم الزمن الحديث

أثبت “أينشتاين” في “نظرية النسبية” أن الكون يتكون من شبكية مكونة من الزمان والمكان وأن الزمن هو البعد الرابع للأبعاد الثلاثة المتعارف عليها.

بمعنى أن كل نقطة في الكون يمكن تعريفها تعريفًا دقيقًا باستخدام ثلاثة أبعاد رئيسة: الطول والعرض والارتفاع.

بالإضافة إلى الزمن فيما يعرف بـ”الزمكان”. كذلك لم يكن هذا هو إنجاز “إنشتاين” الذي لفت الأنظار لنظريته، ولكن الفكرة الثورية القائلة بأن الزمن نفسه نسبي.

كما أن نسبية الزمن تعني أنه يمكن أن يمر بطيئًا أو سريعًا أو حتى يتوقف، وأيضًا يتراجع للوراء إذا توافرت الظروف المواتية لذلك.

ويمكن للجاذبية أن تحني الزمكان، وحسب قوة الجاذبية يطول الزمن وينحني الفراغ حتى إن الزمن يتوقف عند أكثر الأشياء جاذبية، وأفق الحدث “الثقب الأسود”.

كذلك تجاوزت تلك النظرية الأوراق إلى الحقائق المثبتة عندما أجرى آرثر إدينغتون، تجربته عند كسوف الشمس عام 1919؛ حيث رصد نجمًا يقع خلف الشمس في حالة الكسوف؛ ما يعنى أن “الزمكان” قد انحنى حاملًا معه الضوء الصادر من النجم البعيد.

كما تأكدت النظرية مرة أخرى عند اكتشاف موجات الجاذبية المنطلقة من تصادم ثقبين أسودين في الكون بواسطة مرصد LIGO الأمريكي عام 2016. وسجل المرصد تغيير أبعاد الأرض نفسها نتيجة مرور موجات الجاذبية؛ ما أدى إلى تداخل شعاعي الليزر في ذراعي المرصد.

في نهاية المطاف، يمكن القول إن الزمن ليس مطلقًا كما تصور البشر في الماضي، بل هو بعد يمكنه التمدد والانكماش والتوقف أيضًا، غير إننا إلى الآن نتقدم في الزمن باتجاه واحد فقط  إلى الأمام.

بقلم/ دكتور محمد فرج؛ أستاذ الفيزياء المساعد بجامعة الأزهر

The post مفهوم الزمن.. الفيزياء وسؤال أصل الأشياء appeared first on مجلة رواد الأعمال.

أخر الأخبار

عرض الكل