Arraf
فن التذؤب ونقده!
هل ارتقاء عضو المجتمع لقيادته يغير نظرتهما لبعضهما فيراه القائد أعدادًا ويراه المجتمع ذئبًا؟ طرَحَ السؤال مدير الموارد البشرية لإحدى الشركات العربية القابضة، المتحكمة فى مليارات تمثلها أصول عقارية (عقارات، مناجم، محاجر، قطع أراض، بواخر، مصانع ومزارع)، أرصدة دائنة وأكثرها مدينة، شركات تابعة، فروع بالمنطقة، وكالات تجارية ومخازن، أكثر من 40 ألف عامل وموظف، تاريخ طويل انطلق من إحدى الأُسرات القديمة منذ سبعين عامًا من الازدهار والانحدار ومحاولات النمو، تَعاقب خلالها على قيادتها مختلف أنواع مدارس الإدارة والقادة.. ولكن ليس كعهدها الحالي! الزاخر بتوسع المساهمين، الموظفين، الوكلاء، المشروعات والمديونيات! مجتمع كامل تعيشه الشركة التى مرت باضطرابات السوق الاقتصادية، مشاكل العمالة، اشتعال المنافسة وتهديد حصتها السوقية، مقاومة الدولة للاحتكار، حرج الديون، محاصرة الدائنين، توغل المستفيدين، قنص الصيادين، تحزب بعض القطاعات والإدارات، تهديدات مادية للأصول بمستندات مصطنعة وأحكام مغتصبة، مرحلة صعبة وكثيفة – كقول المدير المذكور – تبلورت فى مشكلتيْ تأمين الشركة وماليتها! لدرجة وصولها لحافة الديون وتعثر تنميتها، تهديدات فصيل من مساهميها وتحالفهم مع إدارات كاملة لاقتناص أى فوائد من الشركة العجوز، تكاتف عدة منافسين لاستقطاب قادتها المميزين، وتخويخ ثقافة وولاء موظفيها لهدمها من الداخل! فالشركة مَطمع عربى عالمى، بحزمة أصولها واستثماراتها ومواردها المبعثرة. احترمت سرد مدير الموارد البشرية، وعدتُ به لسؤاله: (هل ارتقاء عضو المجتمع لقيادته يغير نظرتهما لبعضهما فيراه القائد أعدادًا ويراه المجتمع ذئبًا؟) فشرَدَ قليلًا وقال: «إدراك غالبية المساهمين أن مشكلة الشركة فى تأمينها وماليتها جعلهم يُصعّدون نائبيْ رئيس مجلس الإدارة لشئون الأمن والمالية، بجعلهما رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب. أحدهما عيونه وأصابعه فى حكم وتأمين كل أصول ومكونات الشركة، والآخر فى كل استثماراتها وماليتها. ورغم أن الاثنين من صغار المساهمين، لكنهما من أبناء الشركة التى شهدت يفاعتهما وشبابهما واحترافهما فى مناصبهما، لكن زخم الديون والتهديدات والتحديات والمشاكل جعلت المساهمين يفكرون بطريقة مختلفة وتصعيد أهل البيت، عوضًا عن خبراء خارجيين؛ إيمانًا منهم بمعاصرتهم ومشاركتهم فى واقع الشركة وطموحها ومكافحتها للبقاء. الأزمة بدأت عندما شرع الرئيس ونائبه بفرض سياسات وقرارات ومشروعات «مُنقذة» للشركة، على حساب المساهمين والموظفين والأصول وخطط التنمية الحقيقية! لدرجة الخلط بين مشاكل ديون تنمية الشركة واستقرارها وبين مجتمعها نفسه، بمحاولته البقاء وسط زخم التقشف والتوسعات والمشروعات، وتآكل ثوابت مميزات وصندوق العاملين… إلخ! المشكلة الحقيقية أننا أصبحنا أعدادًا فى حسابات، وإحصائيات، وقرارات الرئيس، ونائبه! سيطر البُعدان التأمينى والاستثمارى على قرارات ومقدَّرات شركتنا، لمواجهة تغيرات كاسحة للسوق والمنطقة، ورغم تاريخ وأصول وموارد واستثمارات شركتنا وفرصتها الحقيقية فى النمو، زادت مديونيتنا، وقلّت أجورنا، وترامت مشروعاتنا، واستقطبت إدارة الإعلام لبَرْوزة الصورة الجديدة ثم سقطت بدورها فيها، فأصبحنا مطمعًا لباقى السوق! وتحولت قطاعات كاملة لإدارتها بنظام الفرنشايز الخارجي! لتبدأ ثقافة الذئاب تحكم مجتمع الشركة! فهل فهمت الآن رؤية سؤالي؟ الرئيس ونائبه من الأعضاء الأُصلاء والقدامى بمجتمعنا، لكن قيادتهما جعلتهما يتذأّبان علينا بالكامل لتأمين الشركة واستثماراتها! كل قراراتهم سليمة شكلًا، ومُوجعة موضوعًا، غابت إنسانيتها، فولدت طبقات جديدة من الذئاب والمستذئبين بداخلنا!». احترمتُ أكثر رؤية ومواجع القائل، وعقّبتُ بسؤال مقابل: «هل فكرت يومًا كيف يرى القائد مجتمعه؟ عندما يصبح الفرد فى موقع السلطة، قد يشعر بأنه يمثل مجموعة أكبر من نفسه، لتنسحب هويته الفردية أمام مسئوليته الجماعية، فيرى مجتمعه أعدادًا أو مشاكل تحتاج لإدارة، بدلًا من رؤيته أشخاصًا لديهم احتياجات وطموحات! فينظر للأفراد بمنظور المشاكل الواجب حلها، لا الرغبات التى تُلبى! فيتراجع تعاطفه مع معاناتهم أمام حقل المشاكل والتحديات! وفى شركة كوصفك، فإن تحقيق حماية وتأمين الشركة واستثماراتها يمكن أن يؤدى لرؤية مجتمعها بوصفه عقبات أو موارد، بدلًا من أشخاص! فيُقسم لقطاعات أو فئات لتسهيل إدارة الأزمات! أضفْ إلى ذلك أنه إذا كانت ثقافتكم دوام الشكوى وعدم الرضا والتحفظ المسبق، فإنها ستؤثر على كيفية رؤيته لكم، سواء بالتشجيع على التعاطف أم الاهتمام بالنتائج فقط! خاصة إذا كانت الضغوط والتحديات التى يواجهها القائد تؤدى لتحولات بسلوكه ورؤيته، بما يُظهره بشكل سلبى فى عيونكم! لا أنكر أن فقْد القائد هويته الفردية ورؤيته الناس أرقامًا أو مشاكل، يمكن أن يُرديه بقرارات قاسية تتطلب النتائج فقط، ولو بتجاهل احتياجاتهم وإنسانيتهم، خصوصًا إذا لم يتفاعلوا مع رؤيته ويَعدُّوها «تذؤبًا» كوصفك المصحوب بخيبة أمل! فحتمًا يكون رد فعله قاسيًا لحماية إنجازاته، من وجهة نظره! المشكلة الحقيقية عندما يشعر رئيس الشركة بانفصاله عن واقع مجتمعها، ويتخذ قرارات لا تعكس احتياجاتها الحقيقية! فيضطر لخلق صورة جديدة تركز على الإنجازات والنتائج، ولو كانت الأوضاع السيئة واضحة، لتحسين صورته أمامكم! غير أن زيادة انتقاداتكم وتهديداتكم دون حلول حقيقية، تزيد من قراراته غير الشعبية، أو تقديمه وعودًا بتحقيق التغيير، أو طلب دعم خارجى لتعزيز رؤيته! لا شك أن تغيير الوضع الحياتى للقادة يسهم فى انفصالهم عن مجتمعكم، لدرجة إدمانهم فقاعة السلطة، خاصة مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة، مجاهل التنمية والمنافسة، قسوة المديونيات ومتطلبات النمو، تحديات إنقاذ الشركة ككيان أمام تعجل الربح من المساهمين والمتطلبات اليومية للموظفين، ورفع سقف توقعات الجميع منهم! فتلد ضغوطهم المفرطة مزيدًا من القرارات، بغض النظر عن تأثيرها عليكم كمكون بشرى، أمام تأمين الشركة واستثماراتها! ما ترونه تذؤبًا، يرونه حماية وقيادة! فلا تذؤب دون قطيع! وأتحفظ على سؤالك؛ لأنه بلسان القطيع، وشركتكم لا تستحقه وصفًا أو فعلًا! فإذا كانت جمعية مساهميكم غير واعية، فإداراتكم مخترَقة قبل قيادتهم! استعادة الوعى مسئولية المجتمع، وهو فقط ما سيمكّنكم من تغيير منطق السؤال، للحصول على أجوبة مختلفة، تخرج من نظرة المظلوم لفكر الشريك! سؤالك من عبيد ينتظرون إجابة مَن يحررهم، ولكنكم لستم كذلك ولا أنا!