بوينغ في قلب استراتيجية الانتقام الصينية!

Select Language

بوينغ في قلب استراتيجية الانتقام الصينية!

قناة CNBC العربية منذ شهر

باتت شركة بوينغ - العملاق الأميركي والتي تأتي من بين أكبر المُصدرين الصناعيين في البلاد-  تواجه ضغوطاً متزايدة نتيجة سياسات الرسوم الجمركية التي يتبعها الرئيس دونالد ترامب.

مع إعلان البيت الأبيض فرض رسوم تصل إلى 145% على العديد من المنتجات الصينية، في خضم التوترات التجارية المتصاعدة بين أكبر اقتصادين في العالم،  سارعت بكين إلى الرد برسوم انتقامية بلغت 125%، لتدخل العلاقات التجارية بين القوتين فصلاً جديداً من التصعيد.

حلقة من حلقات ذلك التصعيد كانت تتعلق بالإجراءات الصينية "الانتقامية" والتي تأتي "بوينغ" في القلب منها، بعد الكشف عن أن بكين قد طلبت من شركات الطيران الصينية وقف شراء المعدات والأجزاء المتعلقة بالطائرات من الشركات الأميركية، ومع التطورات الأخيرة المرتبطة بعودة طائرتين كانتا مخصصتين للاستخدام من قبل شركة طيران صينية، إلى واشنطن.
تكشف تلك التطورات المتسارعة كيف أن المعركة التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم تلقي بظلالها الثقيلة على صناعة الطيران، في الوقت الذي يقول فيه محللون إن الارتباك الناتج عن تغيّر الرسوم الجمركية قد يُربك جداول تسليم الطائرات.

كما أن بعض الرؤساء التنفيذيين لشركات الطيران عبروا عن نيتهم تأجيل استلام الطائرات تفاديًا للرسوم، ما يُهدد بتجميد صفقات استراتيجية لبوينغ في واحد من أهم أسواقها.

وتستحوذ الصين تاريخياً على ربع شحنات بوينغ العالمية، غير أن هذا الحضور بدأ بالتآكل مع التوترات التجارية السابقة، علاوة على أزمة 737 ماكس والتبعات المدمّرة لجائحة كوفيد-19.

والآن تشير بيانات الشركة إلى وجود 130 طلباً غير منفذ حتى الآن لشركات صينية، في حين أن جزءاً كبيراً من أكثر من 760 طلبًا غير منسوب إلى مشترين يُعتقد أنه مخصص فعلياً للسوق الصينية، بحسب CNBC.

ورغم الصورة القاتمة، يرى بعض المحللين أن التأثير قصير الأمد قد لا يكون قاتلاً بالنسبة للشركة، إذ ما زالت بوينغ قادرة على إعادة توجيه عمليات التسليم إلى عملاء آخرين حول العالم، خاصة في ظل عدم قدرة منافستها الأوروبية "إيرباص" على تلبية كل الطلب العالمي بسبب محدودية الطاقة الإنتاجية.

لكن، وعلى المدى الأبعد، فإن المخاطر تكمن في فقدان السوق الصينية كلاعب استراتيجي، خاصة إذا تحولت شركات الطيران هناك إلى بناء علاقات توريد مستقرة مع منافسين آخرين. وقد يكون لهذا التحول تبعات مؤلمة على بوينغ ليس فقط على صعيد المبيعات، بل أيضاً في استراتيجيتها التصنيعية واستدامتها التجارية.

وتبدو بوينغ أمام معضلة حقيقية: كيف توازن بين متطلبات السياسة التجارية الأميركية الصدامية، وبين مصالحها التجارية العالمية في بيئة تزداد تقلباً؟


اقرأ أيضاً: أبرز حوادث الطيران الأميركية المميتة منذ 2001


محطات رئيسية

شهدت الأيام الماضية تسارعاً في التطورات التي تقع "بوينغ" ضحيتها بشكل مباشر، بدءاً من فرض الرسوم الجمركية في "يوم التحرير" في الثاني من أبريل/ نيسان، وتداعياتها المختلفة على أسعار الطائرات وقطع الغيار، مروراً بقرار الصين بفرض حظر على طائرات "بوينغ"، في إطار إجراءاتها الانتقامية على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وحتى عودة طائرتين أخيراً.

وكان الرئيس الأميركي قد اتهم الصين، قبل أسبوع، بالتراجع عن "صفقة كبيرة مع بوينغ"، وذلك بعد التقارير التي تفيد بأن بكين أمرت شركات الطيران بعدم استلام المزيد من طائرات الشركة.

وقد أدى حظر الصين على تسليم طائرات بوينج وسط معركة تعريفية مستمرة مع الولايات المتحدة إلى دفع شركة تصنيع  الطائرات الأميركية – التي تعتمد بشكل كبير على الطلبات الدولية- إلى وسط الحرب التجارية.

ويوم السبت 19 أبريل/ نيسان، عادت طائرة 737 ماكس تحمل ألوان شركة شيامن للطيران الصينية من تشوشان وهبطت في مطار بوينغ في سياتل.

وفي 21 أبريل، أظهرت بيانات تتبع الرحلات الجوية أن طائرة ثانية من طراز بوينغ، كانت مخصصة لشركة طيران صينية، عادت في طريقها إلى الولايات المتحدة، وهي "ضحية أخرى للرسوم الجمركية الثنائية المتبادلة التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب في هجومه التجاري العالمي".

اقرأ أيضاً: سماوات مضطربة.. هل يجب علينا أن نقلق بشأن "حوادث الطيران" الأخيرة؟ (ملف خاص CNBC عربية)

بحسب بيانات من موقع "إيرناف رادار" لتتبع الرحلات الجوية، فإن طائرة بوينع 737 ماكس 8 هبطت في جزيرة غوام الأميركية يوم الاثنين، بعد مغادرة مركز تشوشان للإكمال التابع لشركة بوينغ بالقرب من شنغهاي، وفق رويترز.

وتعد غوام إحدى المحطات التي تتوقف فيها مثل هذه الرحلات في رحلة يبلغ طولها 5000 ميل (8000 كيلومتر) عبر المحيط الهادئ بين مركز إنتاج بوينج في الولايات المتحدة في سياتل ومركز استكمال تشوشان، حيث تنقل بوينغ الطائرات للعمل النهائي وتسليمها إلى شركة طيران صينية.

وذكر متحدث باسم شركة طيران شيامن يوم الاثنين أن الطائرتين المخصصتين للشركة توجهتا إلى الولايات المتحدة، لكنه رفض تقديم سبب. ولم يتضح بعد أي طرف اتخذ قرار عودة الطائرتين إلى الولايات المتحدة.

اضطرابات

وتُعد عودة طائرات 737 ماكس، الطراز الأكثر مبيعاً لدى شركة بوينغ، أحدث علامة على اضطراب تسليم الطائرات الجديدة نتيجة انهيار وضع الإعفاء من الرسوم الجمركية الذي استمر لعقود في صناعة الطيران.

وتأتي حرب الرسوم الجمركية والتراجع الواضح في عمليات التسليم في الوقت الذي تتعافى فيه شركة بوينغ من تجميد استيراد طائرات 737 ماكس لمدة خمس سنوات تقريبًا وجولة سابقة من التوترات التجارية.

وتعد بوينغ واحدة من الشركات المصنعة القليلة في الولايات المتحدة التي تتبع النهج القديم وتعتمد بشكل كبير على الصادرات، حيث تتلقى حوالي ثلثي طلبياتها من خارج الولايات المتحدة.

وانتقد الرئيس التنفيذي لشركة بوينغ كيلي أورتبيرج الرسوم الجمركية، مشيراً إلى أهمية أعمال بوينج الدولية في توفير الوظائف في الولايات المتحدة.

وخلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ في وقت سابق من هذا الشهر، قال أورتبرغ: "التجارة الحرة بالغة الأهمية بالنسبة لنا.. نحن  شركة تصدير مثالية نتفوق فيها على منافسينا دولياً.. وهذا يخلق فرص عمل أميركية، وظائف أميركية طويلة الأجل وعالية القيمة.. ولذلك من المهم أن نواصل الوصول إلى تلك السوق، وألا نواجه وضعًا تُغلق فيه بعض الأسواق أمامنا".



استراتيجية انتقامية

وبحسب مذكر لبنك "أوف أميركا" صادرة عن محلل شؤون الطيران والدفاع، رونالد إبستاين، فإن  "دور بوينغ في استراتيجية الانتقام الصينية يجبر ترامب على الاهتمام بشركة تصنيع الطائرات الأميركية، حتى مع احتمال تغير الوضع أو عكسه".

وبحسب المذكرة، فإن "بوينغ أكبر مُصدّر للولايات المتحدة، ولذلك، لا نتفاجأ بخطوة الصين؛ ومع ذلك، نرى أن هذا القرار غير مستدام (..) عند النظر في موازين التجارة، نعتقد أن إدارة ترامب لا يمكنها تجاهل بوينغ".

ويشار إلى أن مبيعات بوينغ عانت من عام "سلبي" العام الماضي، بعد أن واجهت التداعيات المرتبطة بحوادث السلامة المتعددة وإضراباً استمر سبعة أسابيع، والذي أوقف إنتاج طائراتها الأساسية من طراز 737.

العلاقة مع الصين

في توقيت لافت، جاءت التعليمات الصينية بوقف طلبات شراء الطائرات، بينما كانت بوينغ تسعى إلى ترميم جسور التعاون مع بكين. فمنذ العام 2019، اقتصرت تعاملات الشركة الأميركية مع السوق الصينية على نطاق ضيق، نتيجةً لتداعيات الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب، وأيضًا بسبب كارثتين جويتين لطائرتين من طراز بوينغ في الصين خلال عامي 2018 و2019، أسفرتا عن مصرع نحو 350 شخصًا.

ورغم هذه الانتكاسات، كانت بوينغ تُراهن على انتعاش العلاقة مع الصين، وقد أعلنت في 2024 عن خطط طموحة لمضاعفة حجم أسطولها داخل البلاد إلى أكثر من الضعف ليصل إلى 9740 طائرة بحلول عام 2043. ووفقاً لتقديرات شركة "سيريوم" لتحليلات الطيران، يُنتظر أن تسلم بوينغ للصين 29 طائرة فقط خلال العام الحالي.

كيف يستفيد المنافسون؟

ولا تزال تداعيات قرار الصين بوقف طلبات بوينغ غير واضحة على المنافسين، لكن الخطوة قد تحمل في طيّاتها أنباء سارة لشركة إيرباص، بحسب محللين، لا سيما وأن الصين تُعد أكبر أسواقها على مستوى الدول، ولها خط تجميع نهائي في مدينة تيانجين.

لكن بنك أوف أميركا، فإن قدرة إيرباص على الاستفادة من هذا الفراغ قد تكون محدودة نظرًا لطاقتها الإنتاجية الحالية.


اقرأ أيضاً: Boeing تخسر حوالي 12 مليار دولار في 2024!


في الوقت ذاته، تواجه كل من بوينغ وإيرباص تحديًا إضافيًا من شركة الطائرات التجارية الصينية "كوماك"، المدعومة من الدولة، والتي تطوّر طائرات ضيقة البدن لمنافسة الطرازات الغربية. لكن ورغم طموحاتها، سلّمت كوماك 13 طائرة فقط من طراز C919 خلال عام 2024، ولا تزال تعتمد بشكل كبير على سلاسل توريد أميركية لتصنيع هذه الطائرات.

ووفق إبستاين، فإن قيود المنافسين تعني أن حظر الصين لبوينغ قد لا يكون سلبياً تماماً بالنسبة لبوينغ. فإما أن الحظر قصير الأجل لعدم استدامته، أو أن الصين تُصر على تعليماتها بإلغاء الطلبات، فتبحث بوينغ عن مشترين محتملين آخرين.

وأضاف:   "لن تواجه بوينغ أي صعوبة في إعادة توزيع طائراتها على شركات طيران أخرى تحتاج إلى سعة إضافية. ونرى الهند مستفيداً محتملاً".

أخر الأخبار

عرض الكل