Arraf

Select Language

آلان كاي.. عبقري الحاسوب الذي رسم ملامح المستقبل

مجلة رواد الأعمال منذ أسبوعين

لم تكن مجرد صدفة أن يصبح “آلان كاي” أحد أبرز رواد علم الحاسوب في القرن العشرين. فبفضل عبقريته وابتكاراته الجريئة رسم ملامح ثورة حقيقية في عالم التفاعل مع الحاسوب؛ حيث قاد فريقًا من الباحثين في مركز “زيروكس للأبحاث” لابتكار أول واجهة سطح مكتب حاسوبية حديثة ذات نوافذ. والتي شكلت الأساس لما نعرفه اليوم من أنظمة تشغيل رسومية.

علاوة على ذلك لم يقتصر دور “كاي” على تصميم الواجهات الرسومية فحسب، بل امتد إلى صميم البرمجة؛ حيث كان له الفضل في تطوير لغة البرمجة الشيئية Smalltalk. والتي تعد من أوائل اللغات التي اعتمدت على هذا المفهوم الثوري في البرمجة. فمن خلال Smalltalk صاغ “كاي” مصطلح “البرمجة الشيئية” نفسه، ووضع الأسس النظرية والعملية لهذا النهج الذي أصبح الآن حجر الأساس في تطوير البرامج المعقدة.

وفي حين كانت له إسهامات جذرية في المجال التقني إلا أن تأثيره تجاوز ذلك إلى الأوساط الأكاديمية والعلمية. إذ حظي بتقدير واسع من أقرانه، وتم انتخابه عضوًا في العديد من الأكاديميات العلمية المرموقة، مثل: الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم والأكاديمية الوطنية للهندسة. كما توجت مسيرته الحافلة بالنجاح بحصوله على جائزة تورينج عام 2003م، وهي أرفع جائزة في مجال علوم الحاسوب، وذلك تقديرًا لإسهاماته البارزة في تطوير الحاسوب وتطبيقاته.

آلان كاي
آلان كاي

ولادة عبقري وطفولة استثنائية

وُلد آلان كاي يوم 17 مايو 1940م. ومنذ نعومة أظفاره أظهر نبوغًا استثنائيًا؛ حيث تعلم القراءة في سن مبكرة جدًا، ما أتاح له فرصة الغوص في عالم الكتب والمعرفة.

وفي مقابلة سابقة صرح مازحًا بأنه قرأ حوالي 150 كتابًا قبل دخوله الصف الأول. مؤكدًا بذلك شغفه بالقراءة والمعرفة منذ طفولته المبكرة.

تنقلات وتكوين شخصية

نشأ “كاي” في مدينة سبرينغفيلد بولاية ماساتشوستس، لكن تنقلات عائلته المتكررة بسبب طبيعة عمل والده في علم وظائف الأعضاء جعلته يعيش في بيئات مختلفة. ما ساهم في تشكيل شخصيته المستقلة وفضوله المعرفي. وبعد أن استقرت عائلته في منطقة نيويورك الكبرى التحق بمدرسة بروكلين التقنية. ثم كلية بيثاني بفيرجينيا الغربية؛ حيث بدأ رحلته الأكاديمية في تخصصي الأحياء والرياضيات.

ولم يقتصر اهتمامه على الدراسة الأكاديمية فحسب، بل امتد إلى مجالات أخرى مثل: الموسيقى؛ حيث عمل مدرسًا للجيتار في دنفر بولاية كولورادو. كما أنهى فترة خدمته العسكرية في القوات الجوية الأمريكية؛ حيث اكتشف شغفه بالبرمجة وتطوير الكمبيوتر.

مسيرة أكاديمية حافلة بالإنجازات

بعد خروجه من الخدمة التحق “كاي” بجامعة كولورادو في بولدر وحصل على درجة البكالوريوس في الرياضيات وعلم الأحياء الجزيئي. ثم انتقل إلى جامعة يوتا؛ حيث حصل على درجة الماجستير والدكتوراه في الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر على التوالي.

وخلال فترة دراسته للدكتوراه ابتكر لغة برمجة جديدة أطلق عليها اسم “FLEX”. والتي شكلت أساسًا لأبحاثه المستقبلية في مجال علوم الكمبيوتر.

تأثر بالرواد وتوجيه البوصلة نحو المستقبل

في جامعة يوتا عمل آلان كاي تحت إشراف عمالقة في مجال الرسومات الحاسوبية مثل: ديفيد سي. إيفانز وإيفان سذرلاند. وتأثر بشكلٍ كبيرٍ بأعمال الأخير، خاصة أطروحته التي تناولت موضوع الكائنات والبرمجة الحاسوبية. وشكلت نقطة تحول في مسيرته العلمية ودفعته إلى التوجه نحو البحث في مجال البرمجة الشيئية وتصميم واجهات المستخدم.

لقاءات حاسمة وشرارة إلهام

شهد عام 1968م تحولًا حاسمًا في مسيرة آلان كاي العلمية؛ حيث التقى سيمور بابرت؛ عالم الحاسوب الشهير، وتعرف على لغة البرمجة “لوغو”. والتي أثارت اهتمامه بالتعليم باستخدام الحاسوب. علاوة على ذلك اتجه إلى دراسة أعمال رواد علم النفس التربوي مثل: جان بياجيه وجيروم برونر. ما أثر بشكلٍ عميق في فهمه لكيفية تفاعل البشر مع التكنولوجيا.

وفي حدث لا يُنسى حضر “كاي” عرضًا تاريخيًا للكمبيوتر قدمه دوغلاس إنجلبارت في سان فرانسيسكو. وعلى الرغم من ظروفه الصحية الصعبة في ذلك اليوم إلا أن هذا العرض ترك أثرًا بالغًا في نفسه؛ حيث وصفه لاحقًا بأنه “واحدة من أعظم التجارب في حياتي”. وكان هذا الحدث بمثابة شرارة الإلهام التي أطلقت العنان لإبداع “كاي” ووجهته نحو تطوير تقنيات حاسوبية ثورية.

مركز زيروكس للأبحاث

في عام 1969م انتقل “كاي” إلى جامعة ستانفورد كباحث زائر، استعدادًا لتولي منصب أستاذ في جامعة كارنيجي ميلون. ولكن القدر كان له شأن آخر، ففي عام 1970م انضم إلى فريق البحث في مركز زيروكس للأبحاث؛ حيث وجد بيئة مثالية للإبداع والابتكار.

وخلال فترة عمله في “زيروكس” عمل بلا كلل على تطوير نماذج أولية لأجهزة حاسوب متصلة بالشبكة، مستخدمًا لغة البرمجة Smalltalk التي كان له دور أساسي في تطويرها. وساهم هذا العمل الرائد في وضع اللبنات الأولى للإنترنت الحديث.

صياغة مفهوم البرمجة الشيئية

إلى جانب زملائه في “زيروكس” يعد “كاي” أحد الآباء المؤسسين لمفهوم البرمجة الشيئية (OOP). وكان هو من صاغ مصطلح “كائن” و”فئة” اللذين أصبحا أساسًا لهذا النهج البرمجي الثوري. ومع ذلك أشار إلى أن الفكرة الأهم ليست في الكائنات نفسها، بل في كيفية تفاعلها وتبادل المعلومات فيما بينها.

وفي نفس الفترة تصور “كاي” مفهوم “Dynabook”، وهو حاسوب صغير وخفيف الوزن يمكن حمله في أي مكان. ويشبه إلى حد كبير الأجهزة اللوحية الحديثة. وكان هذا المفهوم بمثابة رؤية مستقبلية للحوسبة الشخصية؛ حيث يمكن لأي شخص استخدام الحاسوب للتعلم والعمل والإبداع.

رائد التعلّم الجوال وواجهة المستخدم الحديثة

ونظرًا لأن Dynabook كان مصممًا أساسًا لأغراض تعليمية أصبح “كاي” أحد الرواد في مجال التعلم الجوال. وتم اعتماد العديد من ميزات مفهوم Dynabook في تصميم منصات تعليمية حديثة، مثل: “كمبيوتر محمول لكل طفل”.

كما أنه مهندس واجهة المستخدم الرسومية الحديثة ذات النوافذ المتداخلة. والتي أصبحت معيارًا في جميع أنظمة التشغيل الحديثة. وساهم هذا الإنجاز بشكلٍ كبير في جعل الحاسوب أداة سهلة الاستخدام للجميع.

محطات مهمة في مسيرة آلان كاي

بعد مساهماته البارزة في مركز زيروكس للأبحاث انتقل آلان كاي إلى شركة “أتاري” الشهيرة في مجال الألعاب الإلكترونية؛ حيث شغل منصب كبير العلماء خلال الفترة من عام 1981 إلى عام 1984م. وكانت هذه الفترة حافلة بالتحديات والفرص؛ حيث عمل “كاي” على تطوير تقنيات جديدة في مجال الألعاب والتفاعل مع الحاسوب.

وفي خطوة مفاجئة انتقل إلى شركة أبل في عام 1984م؛ إذ انضم إلى مجموعة من الباحثين والمبتكرين الذين كانوا يعملون على تطوير تقنيات المستقبل. وساهم بخبرته الواسعة بمجال البرمجة الشيئية وتصميم واجهات المستخدم في إثراء بيئة العمل الإبداعية داخل “أبل”.

رحلة إلى عالم الخيال

وبعد إغلاق مجموعة التكنولوجيا المتقدمة في “أبل” تلقى “كاي” دعوة من صديقه بران فيرين للانضمام إلى شركة “والت ديزني للإبداع”. وكانت هذه التجربة فريدة من نوعها؛ حيث عمل في بيئة إبداعية مليئة بالخيال والإلهام. وساهم في تطوير تقنيات جديدة لإنشاء أفلام الرسوم المتحركة.

وفي عام 2001م أسس معهد بحوث وجهات النظر، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى تطوير البرامج التعليمية المتقدمة للأطفال. وعمل “كاي” وفريقه على تطوير العديد من المشاريع المبتكرة في هذا المجال؛ حيث سعوا إلى دمج التكنولوجيا مع أساليب التدريس الحديثة.

شراكات إستراتيجية مع كبرى الشركات

وخلال هذه الفترة عقد “كاي” شراكات إستراتيجية مع العديد من الشركات التقنية الرائدة، مثل: مختبرات HP؛ حيث عمل كزميل كبير. وساهم هذا التعاون في تسريع وتيرة التطور التكنولوجي، ونقل الخبرات والمعرفة بين الأكاديمية والصناعة.

وبالإضافة إلى عمله في الشركات والمؤسسات شغل العديد من المناصب الأكاديمية؛ فعمل أستاذًا زائرًا في جامعات مرموقة مثل: جامعة كاليفورنيا، ولوس أنجلوس، وجامعة كيوتو، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. كما شارك في العديد من اللجان الاستشارية؛ حيث قدم نصائحه حول التوجهات المستقبلية لتكنولوجيا المعلومات.

آلان كاي
آلان كاي

عبقري رسم ملامح المستقبل التكنولوجي

في ختام هذا الطرح نجد أن آلان كاي لم يكن مجرد عالم حاسوب بل كان فنانًا ومفكرًا رسم ملامح المستقبل التكنولوجي. وتجاوزت مساهماته التقنية حدود الحاسوب لتشمل مجالات التعليم والترفيه والإبداع. فمن خلال برمجته الشيئية وواجهته الرسومية المبتكرة غيّر الطريقة التي نتفاعل بها مع التكنولوجيا.

وبالطبع تلهم حياته المليئة بالإنجازات والإبداع الأجيال الجديدة من العلماء والمبرمجين. فقصته تشجعنا على التفكير خارج الصندوق والسعي نحو تحقيق أحلامنا مهما بدت مستحيلة. وترك لنا “كاي” إرثًا غنيًا من الأفكار والابتكارات التي تواصل إلهامنا لسنوات قادمة.

The post آلان كاي.. عبقري الحاسوب الذي رسم ملامح المستقبل appeared first on مجلة رواد الأعمال.

أخر الأخبار

عرض الكل